فصل: (فَصْلٌ): (فِي الْمُنَاضَلَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [الْمُسَابَقَةُ جَعَالَةٌ]:

(وَالْمُسَابَقَةُ جَعَالَةٌ)؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَا لَا تَتَحَقَّقُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَكَانَ جَائِزًا؛ كَرَدِّ الْآبِقِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْإِصَابَةِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْإِجَارَةَ (لَا يُؤْخَذُ بِعِوَضِهَا رَهْنٌ وَلَا كَفِيلٌ)؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ. (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَسْخُهَا) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الزِّيَادَةَ فِيهَا وَالنُّقْصَانَ مِنْهَا؛ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ إجَابَتُهُ، وَيَصِحُّ الْفَسْخُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، (مَا لَمْ يَظْهَرْ) عَلَى أَحَدِهِمَا (الْفَضْلُ لِصَاحِبِهِ) مِثْلُ أَنْ يَسْبِقَهُ بِفَرَسِهِ فِي بَعْضِ الْمَسَافَةِ، أَوْ يُصِيبَ بِسِهَامِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ ظَهَرَ فَضْلٌ (فَيَمْتَنِعُ) الْفَسْخُ (عَلَيْهِ)- أَيْ: الْمَفْضُولِ- (فَقَطْ) دُونَ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِلْمَفْضُولِ ذَلِكَ لَفَاتَ غَرَضُ الْمُسَابَقَةِ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ. (وَتَبْطُلُ) الْمُسَابَقَةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)- أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ- كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، (أَوْ) بِمَوْتِ (أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ) أَوْ الرَّامِيَيْنِ؛ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِعَيْنِ الْمَرْكُوبِ وَالرَّامِي، وَلَا يَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ، وَلَا يُقِيمُ الْحَاكِمُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهَا انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَ(لَا) تَبْطُلُ بِمَوْتِ (أَحَدِ الرَّاكِبَيْنِ أَوْ تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ)، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ؛ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ (وَ) يَحْصُلُ (سَبَقٌ فِي خَيْلٍ مُتَمَاثِلَتَيْ الْعُنُقِ بِرَأْسٍ، وَفِي مُخْتَلِفَيْهِمَا)- أَيْ: الْعُنُقَيْنِ بِكَتِفٍ- (وَ) فِي (إبِلٍ بِكَتِفٍ)؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالرَّأْسِ هُنَا مُتَعَذِّرٌ، فَإِنَّ طَوِيلَ الْعُنُقِ قَدْ يَسْبِقُ رَأْسُهُ لِطُولِ عُنُقِهِ، لَا بِسُرْعَةِ عَدْوِهِ، وَفِي الْإِبِلِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَفِيهَا مَا يَمُدُّ عُنُقَهُ، فَرُبَّمَا سَبَقَ رَأْسُهُ لِمَدِّ عُنُقِهِ لَا بِسَبْقِهِ، فَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ قَصِيرِ الْعُنُقِ فَقَدْ سَبَقَ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ طَوِيلِ الْعُنُقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَهُمَا فِي طُولِ الْعُنُقِ؛ فَقَدْ سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِهِ فَلَا سَبْقَ، وَبِأَقَلَّ فَالْآخِرُ سَابِقٌ (وَإِنْ شَرَطَ الْمُتَسَابِقَانِ) السَّبَقَ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ كَأَنْ شَرَطَاهُ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ، وَلَا يَقِفُ الْفَرَسَانِ عِنْدَ الْغَايَةِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَهُمَا (وَتُصَفُّ الْخَيْلُ فِي ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ صَفًّا وَاحِدًا، ثُمَّ يَقُولُ مُرَتِّبُهَا: هَلْ مِنْ مُصْلِحٍ لِلِّجَامِ أَوْ حَامِلٍ لِغُلَامٍ أَوْ طَارِحٍ لِجَلٍّ؟ فَإِذَا لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ خَلَّاهَا)- أَيْ: أَرْسَلَهَا- (عِنْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ)؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، عَنْ عَلِيٍّ: قَدْ جَعَلْتُ لَكَ هَذِهِ السِّبْقَةَ بَيْنَ النَّاسِ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَدَعَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إنِّي قَدْ جَعَلْتُ إلَيْكَ مَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُنُقِي مِنْ هَذِهِ السِّبْقَةِ فِي عُنُقِكَ، فَإِذَا أَتَيْتَ الْمِيطَانَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِيطَانُ مُرْسِلُهَا مِنْ الْغَايَةِ، فَصُفَّ الْخَيْلَ، ثُمَّ نَادِ هَلْ مِنْ مُصْلِحٍ لِلِجَامٍ أَوْ حَامِلٍ لِغُلَامٍ أَوْ طَارِحٍ لِجَلٍّ؟ فَإِذَا لَمْ يُجِبْكَ أَحَدٌ، فَكَبِّرْ ثَلَاثًا؛ ثُمَّ خَلِّهَا عِنْدَ الثَّالِثَةِ، فَيُسْعِدُ اللَّهُ بِسَبَقِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَكَانَ عَلِيٌّ يَقْعُدُ عِنْدَ مُنْتَهَى الْغَايَةِ يَخُطُّ خَطًّا، وَيُقِيمُ رَجُلَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ عِنْدَ طَرَفَيْ الْخَطِّ بَيْنَ إبْهَامَيْ أَرْجُلِهِمَا، وَتَمُرُّ الْخَيْلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيَعْرِفَ السَّابِقَ، وَيَقُولُ لَهُمَا: إذَا خَرَجَ أَحَدُ الْفَرَسَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِطَرَفِ أُذُنَيْهِ أَوْ أُذُنٍ أَوْ عِذَارٍ فَاجْعَلُوا السِّبْقَةَ لَهُ، فَإِذَا شَكَكْتُمَا فَاجْعَلُوا أَسْبَقَيْهِمَا نِصْفَيْن. وَهَذَا الْأَدَبُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ وَانْتِهَاءِ الْغَايَةِ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذَا مَعَ كَوْنِهِ مَرْوِيًّا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَضِيَّةٍ أَمَرَهُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَوَّضَهَا إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُتَّبَعَ وَيُعْمَلَ بِهَا. (فَيُشْتَرَطُ) فِي الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ (أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ دَفْعَةً وَاحِدَةً)، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُرْسِلَ قَبْلَ الْآخَرِ، (وَيَكُونُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ)- أَيْ: أَوَّلِ الْمُسَابَقَةِ- (مَنْ يَرْقُبُهَا)؛ أَيْ: يُشَاهِدُ إرْسَالَهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ (عِنْدَ الِانْتِهَاءِ)؛ أَيْ: انْتِهَاءِ الْغَايَةِ مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ مِنْهُمَا؛ لِئَلَّا يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ. (وَحَرُمَ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا)- أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ- (مَعَ فَرَسِهِ)؛ أَيْ: بِجَانِبِهِ فَرَسًا لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ، (أَوْ) يُجَنِّبَ (وَرَاءَهُ فَرَسًا) لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ (يُحَرِّضُهُ)؛ أَيْ: يُحَرِّضُ الَّذِي تَحْتَهُ (عَلَى الْعَدْوِ)، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ، (أَوْ يَصِيحُ بِهِ وَقْتَ سِبَاقِهِ لِحَدِيثٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَانِبَ فِي الرِّهَانِ». وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَجْلَبَ عَلَى الْخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَالْجَلَبُ- بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ- وَهُوَ الزَّجْرُ لِلْفَرَسِ وَالصِّيَاحُ عَلَيْهِ حَثًّا لَهُ عَلَى الْجَرْيِ.

.(فَصْلٌ): [فِي الْمُنَاضَلَةِ]:

مِنْ النَّضْلِ يُقَالُ: نَاضَلَهُ نِضَالًا وَمُنَاضَلَةً، وَسُمِّيَ الرَّمْيُ نَضْلًا؛ لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} وَقُرِئَ نَنْتَضِلُ، وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْمُنَاضَلَةِ فِي الْعِوَضَيْنِ حُكْمُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَتَصِحُّ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَبَيْنَ حِزْبَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَشَرْطُ الْمُنَاضَلَةِ) زِيَادَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ شُرُوطٌ (أَرْبَعَةٌ) أَحَدُهَا: (كَوْنُهَا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ)؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ بِهِ، وَمَنْ لَا حِذْقَ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ؛ (فَتَبْطُلُ) الْمُنَاضَلَةُ بَيْنَ حِزْبَيْنِ، إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ (فِيمَنْ لَا يُحْسِنُهُ مِنْ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ، وَيَخْرُجُ مِثْلُهُ)- أَيْ: مَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ- (مِنْ) الْحِزْبِ (الْآخَرِ) إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّيِّسَيْنِ يَخْتَارُ إنْسَانًا وَالْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ آخَرُ، فَمَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ؛ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَأُخْرِجَ مُقَابِلُهُ؛ كَالْبَيْعِ إذَا بَطَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ سَقَطَ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ. (وَلَهُمْ)- أَيْ: لِكُلِّ حِزْبٍ الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا؛ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِمْ. (وَإِنْ تَعَاقَدُوا)؛ أَيْ: عَقَدُوا النِّضَالَ (لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ)؛ أَيْ: لِيُعَيِّنَ رَئِيسُ كُلِّ حِزْبٍ مَنْ مَعَهُ بِرِضَاهُمْ (لَا بِقُرْعَةٍ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْحُذَّاقِ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَعَلَى الْكَوَادِنِ فِي الْآخَرِ؛ فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ النِّضَالِ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُخْرِجُ الْمُبْهَمَاتُ، وَالْعَقْدُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَتَمَيَّزَ كُلُّ حِزْبٍ.
(وَ) شُرِطَ أَنْ (يُجْعَلَ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ، فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا)- أَيْ: أَحَدُ الرَّئِيسَيْنِ (وَاحِدًا) مِنْ الرُّمَاةِ، ثُمَّ يَكُونُ مَعَهُ، (ثُمَّ) يَخْتَارُ الرَّئِيسُ (الْآخَرُ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ (آخَرَ) مِنْ الرُّمَاةِ (حَتَّى يُقْرِعَهُ)، فَيَتِمُّ الْعَقْدُ عَلَى الْمُعَيَّنَيْنِ بِالِاخْتِيَارِ إذَنْ، وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ يَبْعُدُ مِنْ التَّسَاوِي وَالْعَدْلِ. (وَإِنْ تَشَاحَّا فِيمَنْ يَبْدَأُ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ (بِالْخِيَرَةِ؛ اقْتَرَعَا)، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اخْتَارَ أَوَّلًا؛ إذْ الْقُرْعَةُ تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ، بَعْدَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَتَسَاوِي أَهْلِهِ. (وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا)؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ أَيْ الْحِزْبَيْنِ سَبَقَ لِتَقْدِيرِهِ لَهُمَا، فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ (وَلَا) يَجُوزُ جَعْلُ (الْخِيَرَةِ فِي تَمْيِيزِهِمْ)- أَيْ: الْحِزْبَيْنِ- إلَيْهِ- أَيْ إلَى وَاحِدٍ- لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَرَادُوا الْقُرْعَةَ لِإِخْرَاجِ الرَّئِيسَيْنِ؛ جَازَ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَخْتَارَ جَمِيعَ حِزْبِهِ وَلَا؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لَهُ بِلَا مُرَجِّحٍ؛ وَيُفْضِي إلَى عَدَمِ التَّسَاوِي. (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْمُنَاضَلَةِ (اسْتِوَاءُ عَدَدِ رُمَاةِ كُلِّ حِزْبٍ)، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ عَشَرَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِيَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ صَحَّ، وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسَهُ، فَادَّعَى الْحِزْبُ الْآخَرُ ظَنَّ خِلَافِهِ؛ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْحِذْقِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ، فَبَانَ حَاذِقًا أَوْ نَاقِصًا؛ لَمْ يُؤَثِّرْ. الشَّرْطُ (الثَّانِي مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرَّمْيِ وَ) مَعْرِفَةُ عَدَدِ (الْإِصَابَةِ)؛ لِتَبَيُّنِ مَقْصُودِ الْمُنَاضَلَةِ، وَهُوَ الْحِذْقُ (فَيُقَالُ مَثَلًا: الرِّشْقُ)- بِكَسْرِ الرَّاءِ-: وَهُوَ عَدَدُ الرَّمْيِ، وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَخُصُّونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ، وَبِفَتْحِهَا الرَّمْيُ، وَهُوَ مَصْدَرُ رَشَقْتُ الشَّيْءَ رَشْقًا قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ: الرَّشْقُ- بِفَتْحِ الرَّاءِ-: الرَّمْيُ نَفْسُهُ، وَالرَّشْقُ الْوَجْهُ مِنْ الرَّمْيِ إذَا رَمَى الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَامِ، وَقِيلَ: الرَّشْقُ: السِّهَامُ نَفْسُهَا، وَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُطْلِعِ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ: الرِّشْقُ- بِكَسْرِ الرَّاءِ-: عَدَدُ الرَّمْيِ، وَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُرِيدُ الْقَطْعَ، وَالْآخَرُ يُرِيدُ الزِّيَادَةَ، وَلَيْسَ لِلرِّشْقِ عَدَدٌ مَعْلُومٌ، فَأَيَّ عَدَدٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ (عِشْرُونَ وَالْإِصَابَةُ خَمْسَةٌ) وَنَحْوُهُ كَسِتَّةٍ، أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، (وَسَوَاءٌ اسْتَوَى) الْمُتَنَاضَلَيْنِ (فِي عَدَدِ رَمْيٍ وَ) عَدَدِ (إصَابَةٍ وَ) فِي (صِفَتِهَا)؛ أَيْ: الْإِصَابَةِ مِنْ خَوَارِقَ وَنَحْوِهَا وَسَائِرِ أَحْوَالِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ، فَاعْتُبِرَتْ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ، (فَإِنْ جَعَلَ) الْمُتَنَاضِلَانِ (رَمْيَ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً)، وَرَمْيَ (الْآخَرِ أَكْثَرَ)؛ كَعِشْرِينَ مَثَلًا، (أَوْ أَقَلَّ) كَخَمْسَةٍ، (أَوْ) شَرَطَا (أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً، وَ) أَنْ يُصِيبَ (الْآخَرُ سِتَّةً، أَوْ) شَرَطَا إصَابَةَ أَحَدِهِمَا (خَوَاسِقُ؛ وَالْآخَرُ خَوَاصِلُ، أَوْ) شَرَطَا أَنْ (يَحُطَّ أَحَدُهُمَا مِنْ إصَابَتِهِ سَهْمَيْنِ بِسَهْمٍ مِنْ إصَابَةِ الْآخَرِ، أَوْ) شَرَطَا أَنْ (يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ بُعْدٍ، وَ) يَرْمِيَ (الْآخَرُ مِنْ قُرْبٍ، أَوْ) أَنْ (يَرْمِيَ) أَحَدُهُمَا (وَبَيْنَ أَصَابِعِهِ سَهْمٌ، وَالْآخَرُ) بَيْنَ أَصَابِعِهِ (سَهْمَانِ، أَوْ) أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا وَ(عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ) شَاغِلٌ، (وَالْآخَرُ بِدُونِهِ)- أَيْ: الشَّاغِلِ- (وَنَحْوِهِ مِمَّا تَفُوتُ بِهِ الْمُسَاوَاةُ)؛ كَأَنْ شَرَطَا أَنْ يُحَطَّ عَنْ أَحَدِهِمَا وَاحِدًا مِنْ خُطَّابِهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ؛ (لَمْ تَصِحَّ)؛ لِمُنَافَاتِهِ لِمَوْضُوعِ الْمُسَابَقَةِ، وَإِذَا عَقَدَا، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا أَقْوَاسًا؛ صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ تَبَيُّنُ كَوْنِهِ)- أَيْ: الرَّمْيِ- (مُفَاضَلَةً) وَمُحَاطَّةٍ وَمُبَادَرَةً؛ لِأَنَّ غَرَضَ الرُّمَاةِ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهُمْ مَنْ إصَابَتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الِانْتِهَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ، فَوَجَبَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا دَخَلَ فِيهِ (فَالْمُفَاضَلَةُ؛ كَقَوْلِهِمْ أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةٍ؛ فَقَدْ سَبَقَ)، فَأَيُّهُمَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ؛ فَهُوَ السَّابِقُ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَيَلْزَمُ فِيهَا إتْمَامُ الرَّمْيِ إنْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ، أَوْ تَبَيُّنُ كَوْنِ الرَّمْيِ (مُبَادَرَةً كَأَيِّنَا سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً؛ فَقَدْ سَبَقَ) وَنَحْوُهُ، فَإِذَا رَمَيَا عَشَرَةً عَشَرَةً، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا، وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرُ خَمْسًا؛ فَمُصِيبُ الْخَمْسِ هُوَ السَّابِقُ أَصَابَ الْآخَرُ مَا دُونَهَا أَوْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا. (وَلَا يَلْزَمُ إنْ سَبَقَ إلَيْهَا)- أَيْ: الْخَمْسَةِ- (وَاحِدٌ، وَلَوْ أَصَابَ الْآخَرُ أَرْبَعًا إتْمَامُ الرَّمْيِ) عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ السَّبَقَ قَدْ صَارَ لِلسَّابِقِ، وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَشْرِ خَمْسًا؛ فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا، وَلَا يُكْمِلَانِ الرَّشْقَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ قَدْ وُجِدَتْ، وَاسْتَوَيَا فِيهَا، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الرَّمْيِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَ بِهِ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، أَوْ يُسْقِطَ بِهِ سَبَقَ صَاحِبِهِ؛ لَزِمَ الْإِتْمَامُ؛ إلَّا فَلَا، (أَوْ) تَبَيَّنَ كَوْنُ الرَّمْيِ (مُحَاطَّةً؛ بِأَنْ) اشْتَرَطَا أَنْ (يَحُطَّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ مِنْ إصَابَةٍ مَنْ رَمْيٍ مَعْلُومٍ مَعَ تُسَاوِيهِمَا فِي عَدَدِ الرَّمَيَاتِ؛ فَأَيُّهُمَا فَضَلَ) صَاحِبَهُ (بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ)، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُحَاطَّةُ؛ أَنَّ الْمُحَاطَّةَ تُقَدَّرُ فِيهَا الْإِصَابَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ الْمُفَاضَلَةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَالْمُفَاضَلَةُ اشْتِرَاطُ إصَابَةِ عَدَدٍ مِنْ عَدَدٍ فَوْقَهُ كَإِصَابَةِ عَشَرَةٍ مِنْ عِشْرِينَ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَا رَمْيَهُمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْإِصَابَةِ أَحْرَزَا سَبَقَهُمَا، وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا تِسْعَةً وَالْآخَرُ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ فَقَدْ فَضَلَ. وَالْمُحَاطَّةُ أَنْ يَشْتَرِطَا حَطَّ مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنْ الْإِصَابَةِ فِي رَشْقٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا فَضَلَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ، وَجَعَلَ فِي الْإِقْنَاعِ الْمُفَاضَلَةَ هِيَ الْمُحَاطَّةُ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (فَإِنْ أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ) فِي الْمُفَاضَلَةِ، (أَوْ قَالَا)؛ أَيْ: شَرَطَا أَنَّهَا (خواصل)- بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ- (تَنَاوَلَهَا)؛ أَيْ: تَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْإِصَابَةَ (عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ).
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ خُصِلَتْ مُنَاضِلِي خَصْلَةً وَخَصْلًا، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْفَرْعَ وَالْقَرْطَسَةَ، يُقَالُ قَرْطَسَ إذَا أَصَابَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْإِصَابَةِ، لَكِنْ يُسَنُّ (وَإِنْ قَالَا)؛ أَيْ: اشْتَرَطَا أَنْ الْإِصَابَةَ (خَوَاسِقُ)- بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ- (أَوْ) شَرَطَا (خَوَازِقَ- بِالزَّايِ- أَوْ) شَرَطَا (مُقَرْطِسَ)، وَهِيَ (مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ).
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ: الْخَوَازِقُ: بِالزَّايِ لُغَةً فِي الْخَاسِقِ، فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ وَالْمُقَرْطِسُ بِمَعْنَى الْحَازِقِ، (أَوْ) شَرَطَا أَنْ الْإِصَابَةَ (خَوَارِقُ- بِالرَّاءِ- أَوْ مُوَارَقُ)، وَهِيَ (مَا خَرَقَهُ)- أَيْ: الْغَرَضَ- (وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ، أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (خَوَاصِرُ)، وَهِيَ (مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ)- أَيْ: الْغَرَضِ- وَمِنْهُ قِيلَ الْخَاصِرَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي جَانِبِ الْإِنْسَانِ، (أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (خَوَارِمُ)، وَهِيَ (مَا خَرَمَ جَانِبَهُ). أَيْ: الْغَرَضِ- (أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (حَوَابِّي)- بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ- وَهِيَ (مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَثَبَ إلَيْهِ)- أَيْ: الْغَرَضِ- وَمِنْهُ يُقَالُ حَبَا الصَّبِيُّ. فَبِأَيِّ صِفَةٍ قَيَّدَ الْمُتَنَاضِلُونَ الْإِصَابَةَ تَقَيَّدَتْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَقَيَّدَ بِهِ ضَرُورَةُ الْوَفَاءِ بِمُوجِبِهِ، وَحَصَلَ السَّبَقُ بِإِصَابَةِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ عَلَى مَا قَيَّدُوا بِهِ، (أَوْ شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْهُ كَدَائِرَتِهِ)- أَيْ: الْغَرَضِ- (تَقَيَّدَتْ) الْمُنَاضَلَةُ (بِهِ)- أَيْ: بِمَا شَرَطَاهُ- لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَتَقَيَّدَ الْمُنَاضَلَةُ بِهِ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ. وَإِنْ شَرَطَا الْخَوَاسِقَ وَالْحَوَابِيَ مَعًا؛ صَحَّ؛ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ كَتِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ وُجُودِهَا، فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ، وَلَا يَصِحُّ تَنَاضُلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرَّمْيِ الْإِصَابَةُ، لَا مِنْ بُعْدِ الرَّمْيِ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ خواصل فَأَصَابَ الْغَرَضَ بِنَصْلِ السَّهْمِ؛ حُسِبَ لَهُ كَيْفَ كَانَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَاصِلَ الَّذِي أَصَابَ الْقِرْطَاسَ، فَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ الْغَرَضَ بِعَرْضِهِ أَوْ بِفَوْقِهِ وَهُوَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْوَتَرُ، نَحْوُ أَنْ يَنْقَلِبَ السَّهْمُ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ، فَيُصِيبُ فَوْقُهُ الْغَرَضَ، أَوْ انْقَطَعَ السَّهْمُ قِطْعَتَيْنِ فَأَصَابَتْ الْقِطْعَةُ الْأُخْرَى الْغَرَضَ؛ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إصَابَةً. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ، وَهُوَ مَا يُرْمَى طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا مِنْ الْأَرْضِ) بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْإِصَابَةِ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، وَغِلَظِهِ وَرِقَّتِهِ، وَارْتِفَاعِهِ وَانْخِفَاضِهِ، وَالْغَرَضُ: مَا تُقْصَدُ إصَابَتُهُ بِالرَّمْيِ، وَهُوَ مَا يُنْصَبُ فِي الْهَدَفِ مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهَا. سُمِّيَ غَرَضًا؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ، وَيُسَمَّى شَارَةً وَشَنًّا. وَفِي الْقَامُوسِ الْقِرْطَاسُ كُلُّ أَدِيمٍ يُنْصَبُ لِلنِّضَالِ، وَالْهَدَفُ مَا يُنْصَبُ الْغَرَضُ عَلَيْهِ إمَّا تُرَابٌ مَجْمُوعٌ أَوْ حَائِطٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَخَشَبَةٍ وَحَجَرٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ النِّضَالِ ذِكْرُ الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ، خِلَافًا لِلتَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الرُّمَاةِ يَخْتَارُ التَّأَخُّرَ، فَإِنْ ذُكِرَ الْمُبْتَدِئُ كَانَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا الْمُبْتَدِئَ عِنْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ تَرَاضَيَا بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. (وَإِنْ تَشَاحَّا)- أَيْ: الْمُتَنَاضِلَانِ- (فِي الِابْتِدَاءِ)- بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ- (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا بِالرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَمْ يُعْرَفْ الْمُصِيبُ مِنْهُمَا، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَصِيرَ إلَى الْقُرْعَةِ، لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ بَدَأَ بِالرَّمْيِ. (وَسُنَّ تَعْيِينُ بَادٍ عِنْدَ عَقْدٍ)؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، (فَإِنْ بَادَرَ غَيْرُ الْأَحَقِّ فَرَمَى؛ فَرَمْيُهُ عَبَثٌ) لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ سَهْمُهُ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». (وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا)- أَيْ: الْمُتَنَاضِلَانِ- (سَهْمًا سَهْمًا، وَ) أَنْ يَرْمِيَا (خَمْسًا خَمْسًا، وَأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (جَمِيعَ الرَّشْقِ). وَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَطْلَقَا تَرَاسَلَا سَهْمًا؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. (وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهٍ) هُوَ رَمْيُ الْقَوْمِ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَام، (بَدَأَ الْآخَرُ فِي) الْوَجْهِ (الثَّانِي) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، (فَإِنْ شَرَطَا الْبُدَاءَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي كِلَا الْوُجُوهِ)؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهَذَا تَفَاضُلٌ. (وَإِنْ فَعَلَاهُ) أَيْ الْبَدْءَ فِي الرَّمْيِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ (بِرِضَاهُمَا؛ صَحَّ؛) لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْإِصَابَةِ وَلَا فِي جَوْدَةِ الرَّمْيِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَبْدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ؛ جَازَ لِتَسَاوِيهِمَا، وَإِنْ اشْتَرَطَا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا رَشْقَةً، ثُمَّ يَرْمِيَ الْآخَرُ رَشْقَةً؛ جَازَ، أَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا عَدَدًا، ثُمَّ يَرْمِيَ الْآخَرُ مِثْلَهُ؛ جَازَ، وَعُمِلَ بِهِ: لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». (وَسُنَّ جَعْلُ غَرَضَيْنِ) فِي الْمُنَاضَلَةِ (يَرْمِيَانِ)؛ أَيْ: يَرْمِي الرَّسِيلَانِ (أَحَدَهُمَا)- أَيْ: أَحَدَ الْغَرَضَيْنِ- (ثُمَّ يَمْضِيَانِ إلَيْهِ)- أَيْ: الْغَرَضِ- (فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ، وَيَرْمِيَانِ) الْغَرَضَ (الْآخَرَ)؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِعْلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَيُرْوَى) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: رَأَيْت حُذَيْفَةَ يَشْتَدُّ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ يَقُولُ أَنَا بِهَا فِي قَمِيصٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلُهُ وَيُرْوَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الْأَغْرَاضِ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ كَانُوا رُهْبَانًا- أَيْ: عُبَّادًا- وَإِذَا كَانَ غَرَضًا (فَبَدَأَ أَحَدُهُمَا بِغَرَضٍ بَدَأَ الْآخَرُ) بِالْغَرَضِ (الثَّانِي)؛ لِحُصُولِ التَّعَادُلِ، وَإِنْ جَعَلُوا غَرَضًا وَاحِدًا؛ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَإِذَا تَشَاحَّا فِي مَوْضِعِ الْوَقْفِ هَلْ هُوَ عَنْ يَمِينِ الْغَرَضِ أَوْ يَسَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي طَلَبَهُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْمَوْقِفَيْنِ يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ، أَوْ يَسْتَقْبِلُ رِيحًا يُؤْذِيهِ اسْتِقْبَالُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ يَسْتَدْبِرُهَا؛ قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ اسْتِدْبَارَهَا؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْطِ الْمُنَاضَلَةِ اسْتِقْبَالُ ذَلِكَ؛ فَالشَّرْطُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ؛ لِدُخُولِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّمْيِ لَيْلًا؛ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَوْقِفَانِ سَوَاءً فِي اسْتِدْبَارِ الشَّمْسِ كَانَ الْوُقُوفُ إلَى الَّذِي يَبْدَأُ فَيَتْبَعُهُ الْآخَرُ، فَإِذَا صَارَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَقَفَ الثَّانِي حَيْثُ شَاءَ، وَيَتْبَعُهُ الْأَوَّلُ لِيَسْتَوْفِيَا. (وَإِنْ أَطَارَتْهُ)- أَيْ: الْغَرَضَ- (الرِّيحُ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ)- أَيْ: الْغَرَضِ- (وَشَرْطُهُمْ)- أَيْ: الْمُتَنَاضِلَيْنِ- (خَوَاسِقَ وَنَحْوَهُ) كَخَوَاسِقَ وَمُقَرْطِسٍ؛ (لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ كَانَ يَثْبُتُ فِي الْغَرَضِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا. [وَإِنْ وَقَعَ- السَّهْمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْغَرَضِ اُحْتُسِبَ بِهِ عَلَى رَامِيهِ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ]. وَإِنْ وَقَعَ السَّهْمُ فِي الْغَرَضِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي طَارَ إلَيْهِ الْغَرَضُ حُسِبَتْ الرَّمْيَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ اتَّفَقَا عَلَى رَمْيِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي طَارَ إلَيْهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ عَلَى وَجْهٍ إذَا وَقَعَ السَّهْمُ فِيهِ حُسِبَ عَلَى رَامِيهِ، وَإِنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ، فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ؛ اُحْتُسِبَ بِهِ لِرَامِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ. وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ جِلْدًا وَخِيطَ عَلَيْهِ كَشَنْبَرِ الْمُنْخُلِ، وَجَعَلَا لَهُ عُرًى وَخُيُوطًا تُعَلَّقُ بِهِ فِي الْعُرَى، فَأَصَابَ السَّهْمُ الشَّنْبَرَ أَوْ الْعُرَى وَشَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ اُعْتُدَّ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَضِ. وَأَمَّا الْمَعَالِيقُ وَهِيَ الْخُيُوطُ؛ فَلَا يُعْتَدُّ بِإِصَابَتِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْغَرَضِ. (وَإِنْ عَرَضَ) لِأَحَدِهِمَا (عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ؛ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِالسَّهْمِ) وَلَا عَلَيْهِ (- وَلَوْ أَصَابَ-) وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الصَّوَابِ إلَى الْخَطَإِ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الْخَطَإِ إلَى الصَّوَابِ، وَإِنْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ فَنَفَذَ مِنْهُ وَأَصَابَ الْغَرَضَ؛ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ سِدَادِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ (وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ، أَوْ ظُلْمَةٌ) عِنْدَ الرَّمْيِ؛ (جَازَ تَأْخِيرُهُ)؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يُرْخِي الْوَتَرَ، وَالظُّلْمَةَ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ فِعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ الرَّمْيُ نَهَارًا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ لَيْلًا، فَيَلْزَمُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً مُنِيرَةً اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا رَمَيَا فِي ضَوْءِ شَمْعَةٍ أَوْ مِشْعَلٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا التَّطْوِيلَ وَالتَّشَاغُلَ عِنْدَ الرَّمْيِ بِمَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مِنْ مَسْحِ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَعَلَّ صَاحِبَهُ يَنْسَى الْقَصْدَ الَّذِي أَصَابَا بِهِ، أَوْ يَفْتُرُ؛ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَطُولِبَ بِالرَّمْيِ، وَلَا يُزْعَجُ بِالِاسْتِعْجَالِ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ يُمْنَعُ مِنْ تَحْرِيرِ الْإِصَابَةِ. (وَكُرِهَ) لِلْأَمِينِ أَوْ الشُّهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ حَضَرَ (مَدْحُ أَحَدِهِمَا أَوْ) مَدْحُ (الْمُصِيبِ، وَعَيْبُ الْمُخْطِئِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ). هَذَا الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ الْجَوَازُ فِي مَدْحِ الْمُصِيبِ وَالْكَرَاهَةُ فِي عَيْبِ غَيْرِهِ.
قَالَ (: وَيُتَوَجَّهُ) الْجَوَازُ (كَذَلِكَ فِي مَدْحِ شَيْخٍ لِطَالِبٍ) أَيْ: يَجُوزُ مَدْحُ الْمُصِيبِ مِنْ الطَّلَبَةِ؛ وَيُكْرَهُ عَيْبُ غَيْرِهِ.
(وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ): قُلْتُ: (إنْ) كَانَ (مَدْحُهُ لِتَحْرِيضِهِ عَلَى الِاشْتِغَالِ قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ، وَإِنْ أَفْضَى) مَدْحُهُ (لِتَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ) أَوْ كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ (قَوِيَ التَّحْرِيمُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
(وَيُمْنَعُ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَغِيظُ صَاحِبَهُ كَأَنْ يَرْتَجِزَ وَيَفْتَخِرَ) وَيَتَبَجَّحَ بِالْإِصَابَةِ، (أَوْ يُعَنِّفَ صَاحِبَهُ عَلَى الْخَطَإِ)، وَيُظْهِرَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ، (وَكَذَا حَاضِرٌ مَعَهُمَا) يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ، فَإِنْ كَانَ صَوَابُك)- أَيْ: إصَابَتُك فِيهَا- (أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِك) فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجُعْلَ فِي مُقَابَلَةِ إصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَشَرَةِ أَقَلُّهُ سِتَّةٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ بِالْأَقَلِّ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ. (وَلَا) يَصِحُّ (عَكْسُهُ)؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ: ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ، فَإِنْ كَانَ خَطَؤُك أَكْثَرَ مِنْ صَوَابِك (فَلَكَ دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ قِمَارٌ، أَوْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً، فَإِنْ أَخْطَأَتْهَا فَعَلَيْك دِرْهَمٌ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْقَائِلِ عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الرَّامِي لِأَجْنَبِيٍّ: إنْ أَخْطَأَتْ فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ لَمْ يَجُزْ لِذَلِكَ. (أَوْ) قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً، فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ (فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ دِرْهَمٌ)؛ صَحَّ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةً فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ مِنْهَا دِرْهَمٌ، أَوْ قَالَ فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ زَائِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُصِيبَاتِ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَعْلُومٌ بِتَقْدِيرِهِ بِالْإِصَابَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: اسْتَقِ لِي مِنْ هَذَا الْبِئْرِ، وَلَك بِكُلِّ دَلْوٍ تَمْرَةٌ، أَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَلَهُ بِكُلِّ عَبْدٍ دِرْهَمٌ. (أَوْ قَالَ: ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ صَحَّ؛ وَلَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ)؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا فِي فِعْلٍ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَكُنْ نِضَالًا؛ لِأَنَّ النِّضَالَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ عَلَى أَنْ يَرْمُوا جَمِيعًا، وَيَكُونَ الْجُعْلُ لِبَعْضِهِمْ إذَا كَانَ سَابِقًا.